تعتبر السنوات الأولى من عمر الطفل، هي أهم مراحل حياته، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة.
قال الامام علي (ع): خير ما ورَث الآباء الابناء الادب.
وقال عليه السلام: إن الناس إلى صالح الأدب، أحوج منهم إلى الفضة والذهب. وقال الإمام الصادق (ع): إن خير ما ورث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال، فإن المال يذهب والأدب يبقى.
الخطوط الأساسية لمدرسة أهل البيت في بيان تأديب الطفل وتعليمه:
أ- لاتقتصر تربية الأولاد على الأبوين فحسب بل هي مسؤولية إجتماعية تقع أيضاً على عاتق جميع أفراد المجتمع. يقول الإمام الصادق (ع): أيّما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدَب على معصية، فإن الله عزوجل أول ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم.
ب- من الضروري مراعاة عمر الطفل، فلكل عمر سياسة تربوية خاصة، فمدرسة أهل البيت (ع) سبقت المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ (التدرج)، ومثال لذلك: يؤدب الطفل على الذكر لله إذا بلغ ثلاث سنين، يقول الإمام الباقر (ع): إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات: قل: لا الله إلا الله، ثم يترك ...ثم نتدرج مع الطفل فنبدأ بتأديبه على الصلاة، يقول الامام علي (ع): أدب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً، بعد ذلك:يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمسة عشر سنة إلى ست عشرة سنة، كما يقول الإمام الصادق (ع).
وفي أثناء هذه الفترات يمكن تأديب الطفل على أمور أخرى لا تستلزم بذل الجهد، كأن نؤدبه على العطاء والاحسان إلى الآخرين، ونزرع في وعيه حب المساكين، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (ع): مُر الصبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشيء، وإن قل، فإن كل شيء يراد به الله - وإن قل بعد أن تصدق النية فيه- عظيم.
ج- ينبغي عدم الاسراف في تدليل الطفل، واتباع أسلوب تربوي يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب، كما يحذر أئمة أهل البيت (ع) من الأدب عند الغضب، يقول الأميرالمؤمنين (ع) لا أدب مع غضب، وذلك لان الغضب حالة تحرك العاطفة ولا ترشد العقل، ولا تعطي العملية التربوية ثمارها المطلوبة بل تستحق هذه العملية ما تستحقه الأمراض المزمنة من الصبر والأناة وبراعة المعالجة.
فالطفل يحتاج إلى استشارة عقلية متواصلة؛ لكي يدرك عواقب أفعاله، وهي لا تتحقق- عادة- عند الغضب الذي يحصل من فوران العاطفية وتأججها، وبدون الإستشارة العقلية المتواصلة، لا تحقق العملية أهدافها المرجوة، فتكون كالطرق على الحديد وهو بارد.
وعند تمعننا المتأني في أحاديث أهل البيت عليهم السلام نجد أن هناك رخصة في اتباع أسلوب (الضرب) مع الصبي في المرحلة الثانية دون مرحلة الطفولة الأولى منها قول الإمام علي (ع): أدب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثا. ولكن بالمقابل نجد أحاديث أخرى تحذر من اتباع أسلوب الضرب، منها قول بعضهم: شكوت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ابنا لي، فقال: "لا تضربه ولا تطل".
وعن الإمام علي (ع) يقول:"... فاضرب ولا تجاوز ثلاثا، وعليه يجب الإبتعاد- ما أمكن- عن ضرب الأطفال؛ لأنه ثبت تربويا أنه يؤثر سلبا على شخصيتهم ولا يجدي نفعاً، ولا مانع من اتباعه في حالات خاصة بقدر، كالملح للطعام. ولابد من التنويه على ان مدرسة أهل البيت (ع) تراعي طاقة الطفل، فلا تكلفه فوق طاقته، بما يشق عليه. عن الحلبي، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهم السلام، قال: إنا نأمر صبياننا بالصلاة، إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين.
ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، غلبهم العطش افطروا.
د- حق التعليم، فالعلم كما الأدب وراثة كريمة، يحث أهل البيت عليهم السلام الآباء على توريثه لأبنائهم. يقول الإمام علي عليه السلام: لا كنز انفع من العلم. ثم إن العلم شرف يرفع بصاحبه إلى مقامات سامية، يقول الإمام علي (ع): العلم أشرف الاحساب.
ولما كان العلم بتلك الأهمية، يكتسب حق التعليم مكانته الجسيمة، لذلك نجد أن الحكماء يحثون أولادهم على كسب العلم، وفاء بالحق الملقى على عواتقهم. يقول الإمام الصادق عليه السلام: كان فيما وعظ لقمان ابنه، أنه قال له: يابني اجعل في أيامك ولياليك نصيباً لك في طلب العلم,فإنك لن تجد تضييعا مثل تركه.
كما نجد الأئمة عليهم السلام، يعطون هذا الحق ما يستحقه من عناية، لا سيما وأن الإسلام يعتبر العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهذه الفريضة لا تنصب على الأب والأم فحسب بل تنسحب إلى أولادهما، لذا نجد الإمام عليا (ع) يؤكد على الآباء بقوله: مروا أولادكم بطلب العلم.
ولما كان العلم في الصغر كالنقش على الحجر، يتوجب استغلال فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الأولوية أو تقديم الأهل على المهم خصوصاً ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص. ولقد أعطى أهل البيت عليهم السلام لتعلم القرآن أولوية خاصة، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام، ذلك العلم الذي يمكنه من أن يكون مسلما يؤدي فرائض الله المطلوبة منه، وللتدليل على ذلك، نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام:.. أبتدأتك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره.. وزيادة على ضرورة تعليم الأطفال العلوم الدينية من قرآن وفقه، تركز السنة النبوية المعطرة على أهمية تعلم الطفل لعلوم حياتية معينة كالكتابة والسباحة والرمي، وسوف أورد بعض الروايات الواردة في هذا الخصوص.
منها: قول الرسول الأكرم (ص): من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ. إذن فتعليم الكتابة حق حياتي تنقشع من خلاله غيوم الجهل والأمية عن الطفل وقال (ص): "حق الولد على والده أن يعلمه الكتاب، والسباحة، والرماية، وأن لا يرزقه إلا طيباً